السؤال:

هل يجوز أن يتخذ أحد المصلين مكانا دائما في المسجد بحيث لا يصلي به غيره؟

الجواب:

فضيلة الدكتور عوني مصاروة
إذا كان الرجل الذي يتخذ مكانًا معينًا في المسجد يُصلّي فيه بحيث لا يُصلي فيه غيره، وكان هذا الرجل من أهل الفضل والتقوى والصلاح، أو من العلماء الربانيين، واتخذ مكانًا خلف الإمام أو في الصّف الأول، أو في أي بقعة في المسجد فهو بلا شك جائز شرعًا، بل انه مما جاءت به السُّنّة النبويّة المطهرة في حديث سلمى بن الأكوع رضي الله عنه. في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه: أنه كان يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها. وفي هذا الحديث دلالة واضحة على الجواز، لا سيّما أن الصحابي الجليل سلمى بن الأكوع اتخذ هذا المكان تبركًا بالنبي صلى الله عليه وسلّم. 

ومثل هذا ورد عن أكابر العلماء والفقهاء والأولياء أنه كان لهم مكانًا خاصّا يصلون فيه ولا يصلي غيرهم فيه، كأئمة المدارس الفقهيّة والعلماء فقد كانوا يتخذون مكانًا محددًا لأنفسهم يصلون فيه ويعلمون طلابهم ومريدهم فيه، كما ورد الأثر في الإمام أحمد بن حنبل، وكما ورد في اتخاذ الخليفة أو الوالي مكانا خاصا محددا للصلاة فيه (السِّدّة).

كما أنّه ورد في الحديث عن فضل أن يتخذ الرجل له مكانًا في الصّف الأول، بل هو من السُّنّة المحمودة، وهذا بلا شك يؤدي أن يتخذ الرجل مكانًا محددًا وواضحًا معلومًا للمصلين. وجاء عن رسول الله سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم:" لو يعلم الناس ما في النداء ـ يعني ما في الأذان ـ والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ـ يعني لو يعلمون ما فيهما من الأجر ثم لم يجدوا سبيلاً إلى الوصول إليهما إلا بالاستهام -يعني بالقرعة- لاقترعوا أيهم يحظى بالصف الأول، أو بالأذان.

أما النهي الوارد عن أن يتخذ المصلي له مكانا خاصا ودائما يُصلي فيه، ويمنع غيره من الصلاة فيه، فهذا النهي للكراهة وليس للتحريم، والكراهة هنا خوفًا من الرياء أو الكبر أو غيرها من الأخلاق الذميمة، فالنهي وارد ليس لذات المكان بل لما في اتخاذ المصلي للمكان من سوء تصرّف مع جماعة المصلين في المسجد نفسه. 
هذا والله أعلى وأعلم

فتاوى مختارة