اختلف العلماء في نقل الميت من بلد إلى بلد آخر، وفرَّقوا بين أن يكون النقل قبل الدفن أو بعده:
أولًا: نقل الميت قبل دفنه:
قال الحنفية: يستحب أن يدفن الميت في الجهة التي مات فيها، ولا بأس بنقله من بلدة إلى أخرى قبل الدفن عند أمن تغير رائحته، قال في "رد المحتار على الدر المختار" (27/ 115): [(قوله: وجوز نقل الميت).. والمراد قبل الدفن خلافًا لما ذكره الناظم من أن فيه خلافًا بعد الدفن.. (قوله: مطلقًا) أي بعدت المسافة أو قصرت.. قال في "البزازية": نقل الميت من بلد إلى بلد قبل الدفن لا يكره] اهـ. وفي "المحيط البرهاني" للإمام برهان الدين ابن مازه (5/ 217): [قال شمس الأئمة السرخسي في "شرح السير": لو لم يكن في نقله إلا تأخير دفنه، لكان كافيًا في كراهته، وذكر شيخ الإسلام في شرحه: أن نقل الميت من بلد إلى بلد لغرض ليس بمكروه، وفي العيون: ذكر مطلقًا أن نقل الميت من بلد إلى بلد ليس بمكروه] اهـ.
وقال الشافعية: يحرم نقله إلى محل آخر ليدفن فيه، حتى لو أمن تغيره إلا إذا جرت عادتهم بدفن موتاهم في غير بلدتهم، ويستثنى من ذلك من مات في جهة قريبة من مكة أو المدينة المنورة أو بيت المقدس، أو قريبًا من مقبرة قوم صالحين فإنه يسن نقله إليها إذا لم يخشَ تغير رائحته، وإلا حرم، وهذا كله إذا كان قد تم غسله وتكفينه والصلاة عليه في محل موته، وأما قبل ذلك فيحرم مطلقًا.
وقال في "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (1/ 194): [وأما نقل الميت من بلد إلى بلد قبل دفنه فقال صاحب الحاوي: قال الشافعي: لا أحبه إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس فنختار أن ينقل إليها لفضل الدفن فيها، وقال صاحب "التهذيب" والشيخ أبو نصر البندنيجي من العراقيين: يكره نقله. وقال القاضي حسين وأبو الفرج الدارمي وصاحب "التتمة": يحرم نقله.
وقال الحنابلة: لا بأس بنقل الميت من الجهة التي مات فيها إلى جهة بعيدة عنها، بشرط أن يكون النقل لغرض صحيح، كأن ينقل إلى بقعة شريفة؛ ليدفن فيها، أو ليدفن بجوار رجل صالح، وبشرط أن يؤمن تغير رائحته] اهـ.
قال في "الفروع" لابن مفلح (3/ 327): [ودفن الشهيد بمصرعه سُنة، نص عليه، حتى لو نقل رد إليه، ويجوز نقل غيره أطلقه أحمد، والمراد وهو ظاهر كلامهم إن أمن تغيره، وذكر صاحب "المحرر": إن لم يظن تغيره، ولا ينقل إلا لغرض صحيح كبقعة شريفة ومجاورة صالح، كما نقل سعد وسعيد وأسامة إلى المدينة، لئلا تفوت سُنة تعجيله، وظاهر كلامهم: ولو وصى به، وصرح به أبو المعالي.
وقال المالكية: يجوز نقله بشروط ثلاثة؛ أولها: ألا ينفجر حال نقله، ثانيها: ألا تُنتهك حرمته، بأن ينقل على وجه يكون فيه تحقير له، ثالثها: أن يكون نقله لمصلحة، كأن يخشى من طغيان البحر على قبره، أو يُراد نقله إلى مكان ترجى بركته، أو إلى مكان قريب من أهله، أو لأجل زيارة أهله إياه، فإن فقد شرط من هذه الشروط الثلاثة حرم النقل] اهـ.
وقال في "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (4/ 165): [وجاز نقل الميت قبل الدفن وكذا بعده من مكان إلى آخر بشرط ألا ينفجر حال نقله وألا تنتهك حرمته وأن يكون لمصلحة كأن يخاف عليه أن يأكله البحر أو ترجى بركة الموضع المنقول إليه أو ليدفن بين أهله أو لأجل قرب زيارة أهله وإن كان النقل من بدو إلى حضر] اهـ.
ثانيًا: نقل الميت بعد دفنه، فحكمه ما يأتي:
قال الحنفية: يحرم إخراجه ونقله، إلا إذا كانت الأرض التي دفن فيها مغصوبةً، أو أخذت بعد دفنه بالشفعة؛ يعني استحقها شخص آخر مجاور لها، وسبق وذكرنا النصوص الدالة على ذلك.
وقال الشافعية: يحرم نقله إلا لضرورة، كمن دفن في أرض مغصوبة، فيجوز نقله إن طالب بها مالكها، وسبق وذكرنا النصوص الدالة على ذلك.
وقال الحنابلة: يجوز النقل بالشروط المذكورة في النقل قبل الدفن، فإن فُقد شرط كان النقل حرامًا قبل الدفن وبعده، وسبق وذكرنا النصوص الدالة على ذلك.
وقال المالكية: يجوز نقله بالشروط الثلاثة المذكورة في النقل قبل الدفن، فإن فُقد شرط منها حرم النقل.
وعليه وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز نقل الميت بعد دفنه إلى المقبرة الجديدة إذا توافرت الشروط السالفة الذكر. هذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.