السؤال:

يقول السائل: كنت في حفل تخرج ابنتي في المدرسة الثانوية، ولاحظت هناك أن بعض القائمين على الحفل وبعض من المشايخ الموجودين، يضعون السبحة في أعناقهم، مما دفعني للتساؤل عن مشروعية هذا العمل. 

الجواب:

فضيلة الدكتور عوني مصاروة
هناك القاعدة الفقهية المعروفة: " الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد النهي والتحريم وهذا في كل شيء"، وليس هناك أي دليل بعدم جواز وضعها في العنق.

ومن الصحابة الذين وضعوا السبحة في العنق، الصحابي الجليل تميم الداري رضي الله عنه الذي سكن فلسطين، وهو المعروف بالزهد والورع. (كتاب المدخل لابن حاج: 214/3).

وكما أن لكل بلد زي يختلف عن الآخر، كالزي السوداني، لا يشبه الزي الباكستاني، وكذلك في المغرب العربي وبلاد الشام وجميعنا مسلمون، وليس في ذلك أي عيب ومنكر ما دام الشيء زيًا وشكليات، ثم إن جعل السبحة في العنق أشبه ما يكون بجعل الخاتم في أصابع اليد، إذ الخاتم يوضع في الإصبع للحفظ والصون، إظهار الحكم والشأن. فكذلك السبحة في العنق لعلو مكانها وشرفها على ما دونها من أعضاء الجسم، علمًا بأن العنق أصون لها من الضياع والإمتهان، فهي آلة مُذَكِّرَةٌ بالله بذلك القدر والعنق هو أعظم ما في الجسد وأعلى ما فيه يمكن فيه حفظها فجعل العظيم للعظيم مناسبة. (كتاب المنهج الصوفي)

ووضع السبحة في العنق يعتبر شعارا لبعض الطرق الصوفية خاصة طريقة القاسمي الخلوتية الجامعة اذ يستخدمها أتباع الطرق الصوفية لعد الأذكار الكثيرة ويحفظونها في أعناقهم تشريفًا لها لأنها وسيلتهم للتذكير بالله لذلك وضعت في أعناقهم من باب القاعدة الفقهية: (للوسائل حكم المقاصد….).
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة). (رواه مسلم في الجامع الصحيح: 9136)، فهذه علامة التميز بين الخلائق يوم القيامة بطول أعناقهم ولهذا أهمية قصوى عند أهل التقى والصلاح، وتعليق السبحة في العنق ليس فيه شيء وهو نظير وضع الكتاب وأصحاب المهن الحرة القلم على آذانهم، ونظير ما رواه يحيى بن اليمان عن سفيان الثوري عن محمد بن اسحاق عن أبي جعفر عن جابر رضي الله عنه: ( كان السواك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موضع القلم من أذن الكاتب). (الدر المنثور للسيوطي: 114/1) (تاريخ بغداد 110/12).

ومن الأئمة الفقهاء الذين كانوا يضعون السبحة في العنق الإمام سحنون من فقهاء المالكية الأكابر، ومثله لا يقدم على ذلك إلا بدليل. (المنهج الصوفي: 43).

ورئي يوما الجنيد وفي يده سبحة، فقيل له أنت مع شرفك تأخذ في يدك سبحة، فقال: (طريق وصلت به إلى ربي لا أفارقه). (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ١/ ٣٧٣)

فتاوى مختارة