تعريف عام بطريقة القاسمي الخلوتية الجامعة

إنّ التفاف المريدين حول شيوخهم لتلقي علم تزكية النفوس والأخلاق وأحوال النفس كان بداية ظهور الطرق الصوفية التي كانت آنذاك بمثابة المدارس التي يتلقى فيها السالكون آداب التصوف علما وعملا.

انفرد كلُّ شيخ بأتباعه ومريديه ليهديَهم بالعلم الذي فتحه الله عليه ويهذبَهم نحو الأسمى بما يتفق مع القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فلم يكن هناك اختلاف بين هذه المدارس في الجوهر إنما كان في طريقة التربية التي يراها الشيخ مناسبة لمريديه.


سبب تسمية الطريقة بهذا الاسم: 

من بين هذه الطرق طريقة القاسمي الخلوتية الجامعة، والتي كان يُطلق عليها في الأصل اسم الدينورية نسبة إلى ممشاد الدينوري، ومن ثم سُميت باسم السهروردية نسبة إلى مشايخ الطريقة السهروردية، ومن ثم سُميت بالخلوتية لسببين:

- اشتهارهم بتربية المريدين على طريق الخلوة.

- نسبة إلى مشايخها من آل الخلوتي وأشهرهم عمر الخلوتي، محمد الخلوتي، وأُخَي الخلوتي.

وسُميت بـ «الجامعة» مصداقًا لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بُعثتُ بجوامع الكلم». 

وسُميت بـ «القاسمي» نسبة إلى مشايخها من آل القاسمي، وهم: حضرة سيدنا الشيخ «محمد حسني الدين» القاسمي، حضرة سيدنا الشيخ عبد الحي

القاسمي، حضرة سيدنا الشيخ ياسين القاسمي، حضرة سيدنا الشيخ «محمد جميل» القاسمي، حضرة سيدنا الشيخ عفيف القاسمي، حضرة سيدنا الشيخ عبد

الرؤوف القاسمي: الشيخ الحالي للطريقة.

وقد انتشرت هذه الطريقة في أيامهم انتشارًا عظيمًا في بلاد الشام ومصر والحجاز، وبعد أن كانت الولاية في يد خادم الطريقة الشيخ محمد الخلوتي انتقلت من شيخ إلى آخر مما ساعد على انتشارها حتى وصلت إلى الشيخ أبي الأنوار محمود الرافعي الذي وُلد في طرابلُس الشرق وتلقّى علومه الأولى فيها عن علمائها المشهورين ومنهم والده عبد القادر الرافعي، ولما شب أبو الأنوار أرسله والده إلى مصر للدراسة في أزهرها وتتلمذ على يد الشيخ أحمد الصاوي الخلوتي، وقد لازم الشيخ أبو الأنوار شيخه مدة طويلة، وكان لهذا الشيخ عناية فائقة بمريديه فقَبْلَ أنْ يمنحه الإجازة في الطريقة كان لا بد أن يمرره في رياضة روحية، فلما أمره الشيخ بدخول الخلوة وجد الرافعي أنه ليس متجردًا تمامًا من العلائق الدنيوية، فاستأذن شيخه للعودة إلى طرابلُس حيث باع جميع أملاكه ووزع ثمنها على الفقراء والمحتاجين ثم عاد إلى خلوته في مصر، فدخلها زاهدًا في متاع الدنيا متوجهًا إلى الله سبحانه وتعالى، فازداد إعجاب شيخه به فمنحه الإجازة في الطريقة وأذن له بتسليك المريدين وتربيتهم وفق شروط الطريقة الخلوتية ولقبه بأبي الأنوار.

كذلك أجاز الشيخ أحمد الصاوي محمد الجسر الخلوتي بتسليك المريدين وكان الشيخ أحمد الصاوي يقول: «ربيت ولدي محمود لبرّ الشام»، وقد زوّجه بابنة أخيه التي رُزق منها بعدد من الأبناء كانوا أيضا من مشايخ الطريقة الخلوتية المشهورين في طرابلُس.

عاد أبو الأنوار الرافعي إلى طرابلُس واشتغل بالوعظ والإرشاد فأنشأ زاوية للخلوتية يقيم فيها الصلوات وحلقات الذكر.

نشأت بين الشيخ أبي الأنوار والشيخ محمد الجسر الخلوتي الطرابلسي علاقة حميمة فقد كان الشيخان يدا واحدة في إقامة الأذكار وقراءة الأوراد وكانا يذهبان لإقامة الأذكار في بعض زوايا طرابلُس، ويترددان على سواحل سورية لنشر الطريقة الخلوتية التي أصبحت بفضلهما لها مريدون في منطقة عكار واللاذقية وبيروت وصيدا وعكا ودمشق، فتعددت زوايا الخلوتية في تلك المناطق التي تقيم أذكار الطريقة وتواظب على قراءة أورادها لا سيّما أوراد الشيخ أحمد الدردير العدوي في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنظومته التي تميزت بها الطريقة الخلوتية.

كان من عادة الشيخين: الرافعي ومحمد الجسر أن يخرجا لزيارة الحرم القدسي وغير ذلك من مقامات الأنبياء والصالحين في بقاع فلسطين، فينطلقا من طرابلُس إلى بيروت مع جموع غفيرة من أتباعهما ويتوجها إلى يافا حيث ينضم إليهما بعض خلوتية صيدا ويافا ويتوجهون جميعا إلى القدس والخليل واللد والرملة.

ومما سبق يتبين أن الطريقة الخلوتية امتدت إلى لبنان وفلسطين عن طريق خلفاء الشيخ أحمد الصاوي الذين أذن لهم بنشر الطريقة في بلاد الشام وفلسطين وهم:

1) الشيخ محمود الرافعي الطرابلسي.

2) محمد الجسر الطرابلسي (خليفة).

3) حسن بن سليم الدجاني، مفتي يافا (خليفة).

فقد باشر الشيخ حسن الدجاني بنشر الطريقة في بلاد كثيرة ولقّن ابن عمه عبد القادر أبو رباح العهد وأجازه بالطريقة.

وكذلك الشيخ محمد الجسر الطرابلسي حيث زار الديار المقدسة ونشر الطريقة في مناطق عديدة فيها.

أما الشيخ محمود أبو الأنوار الرافعي الطرابلسي فإنه حينما قام بزيارةٍ إلى الديار المقدسة سنة 1274 هـ، اجتمع مع الشيخ عبد القادر أبي رباح ولقّنه العهد وأجازه بالإرشاد.

وكذلك اجتمع مع الشيخ عبد الرحمن الشريف الحسيني ولقّنه العهد وأجازه بالإرشاد، وبعد وفاة جميع هؤلاء الأفاضل: الشيخ أحمد الصاوي، محمد الجسر، محمود الرافعي، عبد القادر أبو رباح، حسن الدجاني، انتهت المشيخة إلى سيدنا الشيخ عبد الرحمن الشريف، وبعدها سُميت الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية، فأضيفت كلمة الجامعة مصداقًا لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بُعثتُ بجوامع الكلم»، وألحقت بكلمة الرحمانية، نسبة لسيدنا الشيخ عبد الرحمن الشريف.

وفي عهد سيدنا الشيخ عبد الرحمن الشريف انتشرت الطريقة الخلوتية انتشارا واسعا رغم صعوبات الحياة التي سادت أواخر العصر التركي، فكان مركزها الأول في مدينة الخليل، وهو عبارة عن زاوية تُقام فيها الصلوات والأذكار والأوراد الخاصة بهذه الطريقة.

وفي عهد حضرة سيدنا الشيخ «محمد حسني الدين» القاسمي امتدت دائرة دعوتهم من الخليل إلى قرية عتيل قضاء طولكرم، حيث كان عصره العصر الذهبي للطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية، فقد توافد إليه الناس أفواجًا من جميع قرى ومدن فلسطين، وأقام بها الزوايا الكثيرة وقرر أن يشتري قطعة أرض في قرية زيتا، وقال: «إن فيها أرضًا مواتًا يجب إحياؤها، وزيتا كنز لا يفنى»، فأقام عليها زاوية لأتباعه حيث كانت مركزا وموقعا مناسبا لأنها تتوسط فلسطين وما زال هذا المركز حتى يومنا هذا.

يُطلق على أتباع طريقة القاسمي الخلوتية اسم الدّراويش، كغيرهم من أتباع الطرق الصوفية الأخرى، فكلمة دَرْوِيش فارسية الأصل وهي من زمن العباسيين، فكان كل شخص يرونه «على البركة»، لا يكترث بأمور الدنيا يطلقون عليه اسم درويش «المعنى العرفي».

وبقي لهذا الاسم الأثر على هذه الفئة لكثرة العبادة وإقبالها على الله سبحانه وتعالى فيقولون عن الدرويش إنه إنسان على باب الله، وقد حلل حضرة سيدنا الشيخ «محمد حسني الدين» القاسمي رحمه الله سبحانه وتعالى معنى كلمة درويش في الأبيات الآتية:


إِنَّ لِلدَّرْوِيـــــشِ مَـعْــــنىً فَاخِــــــرًا       قَالَـهُ الْـعَبْدُ الضَّعِيـفُ الْقَاسِـــمِي

الأَلِفُ - آمِـرًا بِالْــعُــــرْفِ نَــاهٍ لـِلَّـذِي     أَنْـكَـرَ الإِسْــلَامُ ثُـمَّ الْـهَاشِـمِـــــي

اللَّامُ - لَيْــسَ غَيْــرُ اللهِ مَـعْبُودًا لَــهُ        عَـابِـدًا لِـلَّـهِ حَقًّـا فَــــاعْــلَــــــــمِ

الدَّالُ - دَائِــمًـا لِلــذِّكْـرِ فِـي أَوْقَـاتِـهِ        طَـائِـعًـا أَنْـعِــمْ بِــهِ مِــنْ خَـــــادِمِ

الرَّاءُ - رَافِضًا عَنْهُ السِّـوَى مِـنْ عَالَمٍ      وَهُــــوَ رَاضٍ بِـالْـقَـضَــاءِ الْمُـــــــبْرَمِ

الْوَاوُ - وَوَحِيـــدٌ مَا لَــهُ مِـنْ مَـلْجَـئٍ      غَيْـرَ صِـدْقِ الْعَـزْمِ نَـحْـوَ الْأَعْظَـــــمِ

الْيَاءُ - يَشْتَهِي مَا حَبَّ خَلَّاقُ السَّـمَا        فَــازَ بِالْإِحْـسَـانِ عَبْــدًا مُغْــــــــرَمِ

الشِّـينُ - شَــاكِرًا لِلهِ بِالنُّعْــمَى كَذَا          حَـامِدًا عِـنْدَ الْبَــلَى كَمُنْعَــــــــــمِ

أَحْرُفُ الدَّرْوِيــــشِ سَـــبْعٌ أُلِّفَـــــتْ       مِــنْ كَلَامٍ بِـاخْتِصَارِ الْأَنْظُــــــــــمِ

وَصَـــــــلَاةُ اللهِ رَبِّـــي دَائِـمًـــــــــا       لِرَسُــولِ اللهِ خَــيْـرِ الْعَــــــــــالَمِ