السؤال:

السلام عليكم، هل لفظ السيادة للأنبياء والصالحين يعتبر من الغلو في الدين، وما حكم زيادة السيادة "سيدنا" في الصلاة الإبراهيمية، خاصة أننا نسمع من بعض الدعاة استدلاهم بحديث ( لا تسيدوني في الصلاة)؟

الجواب:

فضيلة الدكتور خالد محمود
يقول المولى تبارك وتعالى: ( لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (النور: 63)

ويقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة). (صحيح مسلم: 1782/3، طبعة الحلبي)

نعم، هناك قوم من أهل الإسلام سولت لهم أنفسهم، أن تعظيم الأنبياء والصالحين وإطلاق لفظ السيادة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخل بتوحيد الله تعالى، فجردوا الأنبياء والصالحين، بل وجردوا سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- من ذلك، وجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد انتقاله كسائر الناس لا فضل له عليهم، ولا أفضلية له عندهم، وإذا ذكروه ذكروه بالاسم المجرد (محمد)، ويدعمون زعمهم هذا بكلام ليس من السنة في شيء ويستدلون بقولهم: يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( لا تسيدوني في الصلاة ).

وهذا خطأ من وجوه:

1) إن هذا الكلام ليس بحديث أصلاً، بسبب عدم استقامته اللغوية، فإن أصل اللفظ بالواو وليس بالياء، ولو كان اللفظ صحيحًا، لجاء هذا القول: لا تسودوني، وهذا الخطأ اللغوي لا يجوز نسبته إلى من أُعطي جوامع الكلم -صلى الله عليه وسلم-.

2) إن أهل الرواية والدراية، من الثقات المحدثين، أو الحفاظ، لم يقولوا بصحة هذا الكلام، والجميع يقولون إن هذا الكلام لا أصل له في السُّنة الشَّريفة.
- قال العجلوني: وأما النقل عن سيد الورى ( لا تسيدوني في الصلاة ) فكذب مفترى. ( كشف الخفاء للعجلوني 355/2 رقم الحديث: 3018).

- قال السخاوي: لا أصل له فهو باطل. (المقاصد الحسنة للساخوي: 270، رقم الحديث 1292).

السيادة في الصلاة: بخصوص زيادة "سيدنا" في الصلاة الإبراهيمية بعد التشهد، فقد ذهب إلى استحباب ذلك بعض الفقهاء المتأخرين، مثل العز بن عبد السلام، والرملي، والقيلوبي، والشرقاوي من الشافعية، والحصكفي، وابن عابدين من الحنفية، كما صرح باستحبابه النفراوي من المالكية وقالوا: إن ذلك من قبيل الأدب ورعاية الأدب خير من الامتثال، وكذلك فإن إضافة لفظ السيادة للنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة الإبراهيمية لا يخل بالمعنى.
 ( رد المحتار: 345/1، الفواكه الدواني على رسالة القيرواني: 464، القيلوبي: 167/1، شرح الروض: 166/1، حاشية الشرقاوي 21/1، المغني لابن قدامه:1 / 543-541، نيل الأوطار للشوكاني: 326/2).

سيادة غير النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأنبياء والصالحين:

ذهب جمهور العلماء، إلى جواز إطلاق السيد على غير النبي -صلى الله عليه وسلم- واستدلوا:

من القرآن:

- قوله تعالى في سيدنا يحيى عليه الصلاة والسلام: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ). (آل عمران: 39)

- وكذلك قوله تعالى في امرأة العزيز: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (يوسف: 25)

ومن السنة الشريفة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم:

- قوله -صلى الله عليه وسلم- للأنصار وبني قريظة: (قوموا إلى سيدكم)، يعني سيدنا سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن. (صحيح البخاري: 4121، صحيح مسلم: 1768).

- عن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله صعد بالحسن بن علي رضي الله عنهما المنبر فقال: (إن ابني هذا سيِّد، ولعلَّ اللهَ أن يُصلحَ به بين فئتين من المسلمين). (صحيح البخاري: رقم الحديث 3746)

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلاً، أيقتله؟... الحديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (أنظروا إلى ما يقول سيدكم). (صحيح مسلم 1498).

يقول الإمام النووي: والجمع بين هذه الأحاديث، أنه لا بأس بإطلاق فلان سيد ويا سيد، وشبه ذلك إذا كان المسود فاضلاً خيّرًا، إما بعلم وإما بصلاح وإما بغير ذلك، وإن كان فاسقًا أو متهمًا في دينه أو نحو ذلك كره أن يقال له سيد، ويضيف أيضًا أن السيد يطلق على الذي يفوق قومه، ويرتفع قدره عليهم، ويطلق على الزعيم والفاضل، ويطلق على الحليم الذي لا يستفزه غضبه، ويطلق على الكريم وعلى المالك وعلى الزوج. (حلية الأبرار: 572)

فتاوى مختارة