السؤال:

أنا موظف أعمل في سلك التعليم، وأحصل على أجرة شهرية، ولا تسنح لي الظروف لادخار المال في كل سنة، وعلى هذا الحال لا أخرج الزكاة، فهل أنا على صواب.

الجواب:

فضيلة الدكتور عوني مصاروة
الراتب الشهري هو ما يستحقه العامل من أجر نهاية كلّ شهر، مقابل قيامه بعمله، ويُعتبر الراتب الشهري من ضمن المال المستفاد لأن التكييف الفقهي الصحيح لهذا الكسب، أنه مال مستفاد، وهو ما يستفيده المسلم ويملكه ملكاً جديداً بوسيلة من وسائل الكسب المشروع.

ونحن نختار ونرجح قول جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى وجوب تزكية المال المستفاد ومنه الرواتب والأجور في الحال عند قبضه، دون اشتراط حولان الحول.

ومن القائلين لهذا: سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما وابن مسعود ومعاوية وجعفر الصادق والباقر وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري والزهري ومكحول والأوزاعي وداود الظاهري. (انظر المغني لابن قدامة 2/ 6، المحلى لابن حزم 6/ 83، نيل الأوطار للشوكاني 4/ 148، سبل السلام للصنعاني 2/ 129).

وهذا القول الذي نختاره ونرجحه للأدلة التالية:

• قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (البقرة 267)، تحدّث الشق الأول من الآية عن زكاة ما يكسبه الإنسان، وتحدّث الشق الثاني عن زكاة الزروع والثمار، وقرن النظم القرآني بين الشقين بواو العطف، والعطف يفيد الاشتراك في الحكم، ومعلوم أن زكاة الزروع والثمار تُؤدى عند حصادها، فكذا الرواتب والأجور تُزكى عند قبضها، ولأنها تدخل في المفهوم العام لقوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده في الأية الكريمة: (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).(الأنعام 141)
• إن عدم اشتراط حولان الحول أقرب إلى عموم النصوص وإطلاقها من اشتراط الحول، إذ النصوص الموجبة للزكاة في القرآن والسنة جاءت مطلقة وعامة ومنها:

- قوله صلى الله عليه وسلم: (هاتوا ربع عشر أموالكم) (رواه أبو داود)، وحديث: (في الرقة ربع العشر).
- ما رواه الإمام مالك في الموطأ: ( صح عن ابن عباس إيجاب الزكاة في كل مال يزكى، حين يملكه المسلم )، والخبر صحيح عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما كما قال ابن حزم.

• إن اشتراط حولان الحول في الرواتب والأجور، يعني إعفاء كثير من كبار الموظفين وأصحاب المهن الحرة، من وجوب الزكاة، وإعفاء الذي يبعثر ماله ذات اليمين وذات الشمال في الكماليات، كتغيير أثاث البيت واستبدال السيارة...، ومعنى هذا ضياع حق الفقراء والمساكين وجعل الزكاة على المقتصدين فقط. ومن المستبعد أن يأتيَ الشرع بشرط يخفف عن المسرفين ويضع الواجب على المقتصدين.

• ما رواه ابن أبي شيبة عن هبيرة قال: (كان ابن مسعود يزكي أُعطياتِهم من كل ألفٍ خمسةً وعشرين)، أي أنه كان يزكي العطاء عندما يعطيه لصاحبه، والأثر رجاله رجال الصحيح خلا هبيرة فإنه ثقة. (المصنف لابن أبي شيبة: 6/527)

• ما رواه ابن أبي شيبة عن عمر بن عبد العزيز أنه: (كان يزكي العطاء -الرواتب- ، والجائزة). (المصنف لابن أبي شيبة: 2/407)

فتاوى مختارة