السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد: فإني أتوجه إلى مجلسكم الموقر راجياً منكم بيان الحكم الشرعي في مسألة التسويق الشبكي (أو ما يُعرف بالتسويق متعدد المستويات – MLM)، حيث تقوم بعض الشركات بترويج منتجاتها من خلال نظام يشترط فيه أن يقوم الشخص بشراء سلعة أولا، ثم يحصل على أرباح أو عمولات من خلال جلب مشتركين جدد وتجنيدهم كعملاء، وهكذا يتوسع دخله بناءً على عدد الأشخاص المنضمين لشبكته، فكلما اتسعت الشبكة ازدادت العمولات.

سؤالي هو: هل هذا النوع من المعاملات جائز شرعاً؟ وهل تختلف الفتوى إذا كان المنتج حقيقياً وله فائدة ملموسة لكنه ليس هو مصدر الربح الفعلي بل الاشتراك نفسه وجلب الآخرين؟

أتطلّع لردكم الكريم لما في ذلك من أهمية لبحثي في جوانبه الشرعية والأخلاقية ومردوده على المجتمع، ولكم جزيل الشكر والتقدير على وقتكم وجهودكم في خدمة الإسلام والمسلمين.

جزاكم الله خيراً، وبارك الله في علمكم وعملكم.

الجواب:

مركز الإفتاء – أكاديمية القاسمي
الجواب بـعـد الحمـدلة والصلاة على النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم نقول:

إن هذا النوع من المعاملات مما استحدثه الناس في العصر الحديث، ويقصد به نوع من تسويق المنتجات أو الخدمات مبني على التسويق التواصلي حيث يقوم المستهلك بدعوة مستخدمين آخرين لشراء المنتج في مقابل عمولة، ويحصل أيضاً المستخدم على نسبة في حالة قيام عملائه ببيع المنتج لآخرين.

والأصل في الأشياء (وفي المعاملات المالية) الإباحة، قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} البقرة / 275، والتسويق الشبكي معاملة مستحدثة لم يرد فيه نص. وهذا التسويق هو معاملة مالية على أصل الإباحة ما لم يقارنها محظور أو مانع شرعي يمنع حلّيتها.

وبالجملة فإن التسويق الشبكي الذي يعتمد على وجود منتج ذو جودة عالية وذو خصائص فريدة مثل تسويق منتجات تتعلق بالمكملات الغذائية أو المنظفات وغيرها، لا مانع منه، وقد لاقى هذا النوع رواجاً كبيراً في أمريكا وأوروبا وانتشر في مختلف أنحاء العالم حيث طالب العديد من خبراء الاقتصاد بتشجيع هذا النوع من التسويق الشبكي ولكن ضمن ضوابط وأسُس واضحة خشية تحوله إلى تسويق هرمي وهمي.

وفي التطبيق العملي وجد العديد من شركات التسويق الشبكي تمارس انتهاكات للقواعد والإرشادات التي تحمي من الأنظمة الهرمية، ولكن بشكل مقنع ومستتر، فهذه الشركات مستمرة في العمل ليس لسبب أكثر من عدم القدرة على إثبات هذه الانتهاكات قانونيا، وبالتالي فإن فيه ذريعة لأكل المال بالباطل.

ومن خلال هذه العملية التسويقية من يجلب عملاء جدد سوف يحصل على نتيجة عالية من الدخل، ومن لا يستطيع جلب المزيد من العملاء سوف يقف عندها ولا يحقق شيء، وسوف يخرج خارج الشبكة.

ويصبح من على قمة الهرم لديه شبكة من الزبائن المشتركين بأسفله، أو عملاء قام بالشراء عن طريقهم.
وهذا الأسلوب من التسويق لا يخلو من حيلة وخداع وإيهام، وأكل لأموال بالباطل.

وقد ظهرت صور احتيالية للتسويق الشبكي في الغرب اصطلح على تسميتها بالتسويق الهرمي ثم جاءت القوانين في العديد من الدول بحظرها، وتصنيفها ضمن معاملات الغش التجاري، وأما نظام التسويق الشبكي أو التسويق متعدد المستويات فالمفترض أن يقوم على بيع منتجات حقيقية للجمهور دون الحاجة إلى دفع شيء، خارج أو للانضمام إلى نظام التسويق متعدد المستويات.

وإن كثيراً من المحاذير في هذا النوع من التعامل تجعله مشبوهاً أو يلزم التحذير منه، فمن ذلك:

أولا: تحقق الاحتيال والنصب في التسويق الشبكي، فكثير ممن يستثمر في التسويق الشبكي يكتشف في النهاية أنه صفقة خاسرة، وذهبت أمواله أو بعضها سدى.

ثانيا: استنزاف موارد المجتمع وثرواته، حيث تستنزف الأموال في الإنفاق الترفي ويضيع وقت الشباب في هذا النوع بدل من إنفاق الوقت في التنمية وتطوير المجتمع.

ثالثاً: وجود شبهة الغرر والميسر الذي ورد الشرع بتحريمه لما فيه من المخاطرة والغَرَر، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} المائدة / 90.

فالمنتج غير مقصود في المعاملة، فيكون المشترك قد دفع أموالاً مقابل احتمالية الحصول على أرباح أعلى أو الخسارة ذلك، وحصور الغرر باحتمالية أن ينجح في جذب الزبائن والمشتركين الجدد فيجني الربح أو يخفق في جلب مشتركين فتَحصل له الخسارة، وليس الغرر من جهة السلعة ذات المنفعة ومتحققة الوجود.

رابعاً: وجود الربا بنوعيه (ربا الفضل وربا النسيئة) في المعاملة، فالمشترك يدفع مبلغاً قليلاً من المال ليحصل على مبلغ كبير منه، فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم بالنص والإجماع، والمنتج الذي تبيعه الشركة على العميل ما هو إلا ستار للمبادلة، فهو غير مقصود للمشترك فلا تأثير له في الحكم. وهذا كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة.

خامساً: يتضمن التسويق الشبكي أكل أموال الناس بالباطل، ووجه ذلك أن أصحاب الشركة والدين على رأس الهرم هم من يجنون الأرباح الطائلة على حساب من هم دونهم في السُّلم أو الهرم الذين لا يتمكنون من الحصول على الأرباح المرغوبة، لعدم تمكنهم من جلب المزيد من المشتركين.

سادساً: دخول الغش والتدليس في المعاملة، من خلال المبالغة والتهويل بفوائد السلعة المروّجة، أو إغراء المشتركين الجدد بالعمولات الضخمة التي سيجنونها من اشتراكهم.

سابعاً: تصادم التسويق الشبكي بتطبيقاته العملية عند المتحايلين ببعض المقاصد الشرعية: كضرورة حفظ المال وعدم التعدي على أموال الناس وعدم أكلها بالباطل. وقاعدة الأمور بمقاصدها، حيث يقصد في التسويق الشبكي الحصول على الربح بغضّ النظر عن جودة السلعة ومنفعتها وغير ذلك.

وخلاصة القول: فإن التسويق الشبكي مهما كانت أشكاله وصوره وأنشطته وأسماء الشركات التي تقوم به قديمها وحديثها، يقوم على فكرة تحفيز ودفع المشتري على شراء السلعة أو الخدمة سعياً وراء الحوافز أو العمولة أو السمسرة التي سوف يحصل عليها عندما يستطيع تحفيز الآخرين على الشراء، وسوف يجني إذا نجح في ذلك مكافأة تزداد بزيادة عدم المشتركين (المشترين)، ويبدل المشترك في التسويق الشبكي جهده في دفع الآخرين على الشراء ومقصده الرئيس ليس السلعة أو الخدمة ولكن ما يغنمه فيما بعد.

فهذا الدافع وما يقارن التسويق الشبكي من مخالفات ومحاذير يجعله معاملة فيها شبهة ويلزم التحذير من الولوج إلى حيّزها ومضمارها، وليبحث المسلم عما لا شبهة فيه.

وفيه المنفعة مقصودة، بعيدا عن التحايل والغرر، امتثالاً لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”.

والله تعالى أعلم.

فتاوى مختارة